والسماء ذات البروج
من موقع الدكتور زغلول النجار
يستهل الله عزّ وجل سورة البروج بقسم عظيم بثلاث من آياته أولاها قوله تعالى: والسماء ذات البروج , وفي شرح دلالة هذا القسم القرآني تعددت رُؤى المفسرين بين قائل بأن المقصود منه هو التنبيه إلى روعة خلق السماء, وإتقان صنعها, وحسن بهائها, وقائل بأن المقصود بالتنبيه اليه هي النجوم التي تنتشر فيها بتجمعاتها المبهرة, إلى قائل بأن المقصود بذلك هي منازل الشمس والقمر عبر تلك النجوم, إلى جامع بين هذه الرؤى جميعاً.
ولما كان القسم في القرآن الكريم يأتي من أجل تنبيهنا إلى أهمية الأمر المقسوم به - لأن الله تعالي غني عن القسم لعباده- فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة هو: ماهي تلك البروج التي في السماء والتي أقسم الله تعالى بها, وسمّى سورة من سور القرآن الكريم باسمها وماهي أهميتها لاستقامة الحياة على الأرض والتي أراد الله تبارك وتعالى تنبيهنا إليها؟ وقبل الاجابة عن هذين السؤالين لابد لنا من توضيح دلالة لفظ (البروج) في كلٍ من اللغة العربية والقرآن الكريم.
***************************************************
لفظة( البروج) في القرآن الكريم
وردت لفظة (البروج) مرتبطة بالسماء ثلاث مرات في القرآن الكريم علي النحو التالي:
(1) ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين( الحجر:16)
(2) تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا( الفرقان:61)
(3) والسماء ذات البروج ( البروج:1)
كما جاءت لفظة (البروج) بمعنى الحصن مرة واحدة في قوله تعالى:
أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة( النساء:78)
وجاء الفعل( تبرج) والإسم( تبرج) والصفة( متبرجات) في النهي عن السفور وابداء الزينة في قول الحق تبارك وتعالى:
وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي.. ( الأحزاب:33)
وفي قوله تعالى:
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة..*( النور:60)
***********************************************************
آراء المفسرين
في تفسير الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها الحق تبارك وتعالى: " والسماء ذات البروج "
ذكر ابن كثير أن الله تعالى يقسم بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام, وأشار إلى قول ابن عباس أن البروج هي النجوم, وإلى قول يحيي بن رافع أن البروج هي قصور في السماء, وإلى قول المنهال بن عمرو أنها هي الخلق الحسن, وإلى قول ابن جرير أنها منازل الشمس والقمر, وهي اثنا عشر منزلا( برجا) تسير الشمس في كل واحد منها شهرا, ويسير القمر في كل واحد منها يومين وثلثا, فذلك ثمانية وعشرون منزلا, ويستتر ليلتين.
وذكر مخلوف: (والسماء) أقسم الله بها وبما بعدها(ذات البروج) ذات المنازل والطرق الاثني عشر التي تسير فيها الكواكب, شبهت بالقصور لنزول الكواكب بها, كما ينزل الأكابر والاشارف بالقصور, جمع(برج) وهو القصر العالي.
وذكر صاحب الظلال: تبدأ السورة- قبل الاشارة إلى حادث الاخدود- بهذا القسم: والسماء ذات البروج, وهي إما أن تكون أجرام النجوم الهائلة وكأنها بروج السماء الضخمة أي قصورها المبنية.. وإما ان تكون هي المنازل التي تنتقل فيها تلك الاجرام في أثناء دورانها, وهي مجالاتها التي لا تتعداها في جريانها في السماء, والاشارة اليها توحي بالضخامة وهي الظل المراد إلقاؤه في هذا الجو.. وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم في معنى هذه الاية الكريمة أقسم بالسماء ذات المنازل التي تنزلها الكواكب أثناء سيرها, وفي التعليق الهامشي أشاروا إلى أن البروج في هذه المجموعات من مواقع النجوم التي تظهر علي أشكال مختلفة في السماء مقسمة الي اثني عشر قسما تمر خلالها الأرض والكواكب في أثناء دورتها حول الشمس..
وذكر الصابوني: أي وأقسم بالسماء البديعة ذات المنازل الرفيعة, التي تنزلها الكواكب أثناء سيرها, وأشار إلى أقوال عدد من المفسرين السابقين بأن هذه المنازل سميت (بروجا) لظهورها, وشبهت بالقصور لعلوها وارتفاعها لأنها منازل للكواكب السيارة.